-->

حمل المصحف

حمل المصحف

الاثنين، 23 يناير 2017

تفسير الايات من 113 الي129

43
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ( 113 ) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ( 114 ) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ( 115 ) ) السلام عليكم 

هل تسمحون لي بشرف الحوار معكم 

أرجوا الرد مع وافر الاحترام والتقدير 

إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 116 ) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ( 117 ) 
قال ابن أبي نجيح : زعم الحسن بن يزيد العجلي ، عن ابن مسعود في قوله تعالى : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ) قال لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم . 

وهكذا قال السدي ، ويؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده . 

حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى قالا حدثنا شيبان ، عن عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود قال : أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد ، فإذا الناس ينتظرون الصلاة : فقال : " أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم " . قال : وأنزلت هذه الآيات : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب [ أمة قائمة ] ) إلى قوله ( والله عليم بالمتقين ) . 

والمشهور عن كثير من المفسرين - كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره ، ورواه العوفي عن ابن عباس - أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم ، أي : لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب [ وهؤلاء الذين أسلموا ، ولهذا قال تعالى : ( ليسوا سواء ) أي : ليسوا كلهم على حد سواء ، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم ، ولهذا قال تعالى : ( من أهل الكتاب ] أمة قائمة ) أي : قائمة بأمر الله ، مطيعة لشرعه متبعة نبي الله ، [ فهي ] ) قائمة ) يعني مستقيمة ( يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) أي : يقومون الليل ، ويكثرون التهجد ، ويتلون القرآن في صلواتهم ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ) وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله [ لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ] ) [ الآية : 199 ] وهكذا قال هاهنا : ( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ) أي : لا يضيع عند الله بل يجزيكم به أوفر الجزاء . ( والله عليم بالمتقين ) أي : لا يخفى عليه عمل عامل ، ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملا . 

ثم قال تعالى مخبرا عن الكفرة المشركين بأنه ( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ) أي لا يرد عنهم بأس الله ولا عذابه إذا أراده بهم ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 

ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار في هذه الدار ، قاله مجاهد والحسن ، والسدي ، فقال تعالى : ص: 106 ] مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر ) أي : برد شديد ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير وقتادة والحسن ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وغيرهم . وقال عطاء : برد وجليد . وعن ابن عباس أيضا ومجاهد فيها صر ) أي : نار . وهو يرجع إلى الأول ، فإن البرد الشديد - سيما الجليد - يحرق الزروع والثمار ، كما يحرق الشيء بالنار ( أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته ) أي : أحرقته ، يعني بذلك السفعة إذا نزلت على حرث قد آن جداده أو حصاده فدمرته وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع ، فذهبت به وأفسدته ، فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه . فكذلك الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم في هذه الدنيا وثمرتها كما أذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه . وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس ( وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون 
44

ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ( 118 ) ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ( 119 ) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ( 120 ) ) 

يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة ، أي : يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم ، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا أي : يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن ، وبما يستطيعونه من المكر والخديعة ، ويودون ما يعنت المؤمنين ويخرجهم ويشق عليهم . 

وقوله : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) أي : من غيركم من أهل الأديان ، وبطانة الرجل : هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخل أمره . 

وقد روى البخاري ، والنسائي ، وغيرهما ، من حديث جماعة ، منهم : يونس ، ويحيى بن سعيد ، وموسى بن عقبة ، وابن أبي عتيق - عنالزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه ، والمعصوم من عصم الله " 

وقد رواه الأوزاعي ومعاوية بن سلام ، عن الزهري ، عن أبي سلمة [ عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه فيحتمل أنه عند الزهري عن أبي سلمة ]عنهما . وأخرجه النسائي عن الزهري ص: 107 ] أيضا وعلقه البخاري في صحيحه فقال : وقال عبيد الله بن أبي جعفر ، عن صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة ، عن أبي أيوب الأنصاري ، فذكره . فيحتمل أنه عند أبي سلمة عن ثلاثة من الصحابة والله أعلم . 

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو أيوب محمد بن الوزان ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن أبي حيان التيمي عن أبي الزنباع ، عن ابن أبي الدهقانة قال : قيل لعمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة ، حافظ كاتب ، فلو اتخذته كاتبا ؟ فقال : قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين 
ففي هذا الأثر مع هذه الآية دلالة على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة ، التي فيها استطالة على المسلمين واطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب ، ولهذا قال تعالى : ( لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم ) . 

وقد قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إسحاق بن إسرائيل ، حدثنا هشيم ، حدثنا العوام ، عن الأزهر بن راشد قال : كانوا يأتون أنسا ، فإذا حدثهم بحديث لا يدرون ما هو ، أتوا الحسن - يعني البصري - فيفسره لهم . قال : فحدث ذات يوم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا فلم يدروا ما هو ، فأتوا الحسن فقالوا له : إن أنسا حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تستضيئوا بنار الشرك ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا " فقال الحسن : أما قوله : " ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا " محمد صلى الله عليه وسلم . وأما قوله : " لا تستضيئوا بنار الشرك " يقول : لا تستشيروا المشركين في أموركم . ثم قال الحسن : تصديق ذلك في كتاب الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ) . 

هكذا رواه الحافظ أبو يعلى ، رحمه الله ، وقد رواه النسائي عن مجاهد بن موسى ، عن هشيم . ورواه الإمام أحمد ، عن هشيم بإسناده مثله ، من غير ذكر تفسير الحسن البصري 

وهذا التفسير فيه نظر ، ومعناه ظاهر : " لا تنقشوا في خواتيمكم عربيا أي : بخط عربي ، لئلا يشابه نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان نقشه محمد رسول الله ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أنه ص: 108 ] نهى أن ينقش أحد على نقشه . وأما الاستضاءة بنار المشركين ، فمعناه : لا تقاربوهم في المنازل بحيث تكونون معهم في بلادهم ، بل تباعدوا منهم وهاجروا من بلادهم ، ولهذا روى أبو داود [ رحمه الله ] لا تتراءى ناراهما " وفي الحديث الآخر : " من جامع المشرك أو سكن معه ، فهو مثله " ، فحمل الحديث على ما قاله الحسن ،رحمه الله ، والاستشهاد عليه بالآية فيه نظر ،والله أعلم 
ثم قال تعالى : ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) أي : قد لاح على صفحات وجوههم ، وفلتات ألسنتهم من العداوة ، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل ، ولهذا قال : ( قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) . 

وقوله تعالى : ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله ) أي : أنتم - أيها المؤمنون - تحبون المنافقين مما يظهرون لكم من الإيمان ، فتحبونهم على ذلك وهم لا يحبونكم ، لا باطنا ولا ظاهرا ( وتؤمنون بالكتاب كله ) أي : ليس عندكم في شيء منه شك ولا ريب ، وهم عندهم الشك والريب والحيرة 
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وتؤمنون بالكتاب كله ) أي : بكتابكم وكتابهم ، وبما مضى من الكتب قبل ذلك ، وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتم أحق بالبغضاء لهم ، منهم لكم . رواه ابن جرير 

وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) والأنامل : أطراف الأصابع ، قاله قتادة 
وقال الشاعر : 
أود كما ما بل حلقي ريقتي وما حملت كفاي أنملي العشرا
وقال ابن مسعود ، والسدي ، والربيع بن أنس : الأنامل ) الأصابع . 
وهذا شأن المنافقين يظهرون للمؤمنين الإيمان والمودة ، وهم في الباطن بخلاف ذلك من كل وجه ، كما قال تعالى : ( وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) وذلك أشد الغيظ والحنق ، قال الله تعالى : ( قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ) أي : مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم ، فاعلموا أن الله متم نعمته على عباده المؤمنين ، ومكمل دينه ، ومعل كلمته ، ومظهر دينه ، فموتوا أنتم بغيظكم (إن الله عليم بذات الصدور ) أي : هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم ، وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين ، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤملون ، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها ، فلا خروج لكم منها . 
ثم قال : ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ) وهذه الحال دالة على شدة ص: 109 ] العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ، ونصر وتأييد ، وكثروا وعز أنصارهم ، ساء ذلك المنافقين ، وإن أصاب المسلمين سنة - أي : جدب - أو أديل عليهم الأعداء ، لما لله في ذلك من الحكمة ، كما جرى يوم أحد ، فرح المنافقون بذلك ، قال الله تعالى مخاطبا عباده المؤمنين : ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا [ إن الله بما يعملون محيط ] ) يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار ، باستعمال الصبر والتقوى ، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم ، فلا حول ولا قوة لهم إلا به ، وهو الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ، ومن توكل عليه كفاه . 
ثم شرع تعالى في ذكر قصة أحد ، وما كان فيها من الاختبار لعباده المؤمنين ، والتمييز بين المؤمنين والمنافقين ، وبيان صبر الصابرين ، فقال تعالى : 

وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ( 121 ) ) 

إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 122 ) ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ( 123 ) ) 

المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد . وعن الحسن البصري : المراد بذلك يوم الأحزاب . رواه ابن جرير ، وهو غريب لا يعول عليه . 

وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة . قال [ قتادة ] لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال . وقال عكرمة : يوم السبت للنصف من شوال ، فالله أعلم . 

وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر ، وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان ، فلما رجع قفلهم إلى مكة قال أبناء من قتل ، ورؤساء من بقي لأبي سفيان : ارصد هذه الأموال لقتال محمد ، فأنفقوها في ذلك ، وجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في قريب من ثلاثة آلاف ، حتى نزلوا قريبا من أحد تلقاء المدينة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار ، يقال له : مالك بن عمرو ، واستشار الناس : أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة ؟ فأشار عبد الله بن أبي بالمقام بالمدينة ، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين . وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروج إليهم ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته وخرج عليهم ، وقد ندم بعضهم وقالوا : لعلنا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن شئت أن نمكث ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له " 

ص: 110 ] فسار ، عليه السلام في ألف من أصحابه ، فلما كان بالشوط رجع عبد الله بن أبي في ثلث الجيش مغضبا ، لكونه لم يرجع إلى قوله ، وقال هو وأصحابه : لو نعلم اليوم قتالا لاتبعناكم ، ولكنا لا نراكم تقاتلون اليوم . 

واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي . وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال : " لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال " 

وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه ، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف ، والرماة يومئذ خمسون رجلا فقال لهم : " انضحوا الخيل عنا ، ولا نؤتين من قبلكم . والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا ، وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم " 

وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ، وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار . وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذ وأرجأ آخرين ، حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين . 

وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد : وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ،ودفعوا إلى بني عبد الدار اللواء . ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في مواضعه عند هذه الآيات ، إن شاء الله تعالى . 

ولهذا قال تعالى : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) أي : تنزلهم منازلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم ( والله سميع عليم ) أي : سميع لما تقولون ، عليم بضمائركم . 

وقد أورد ابن جرير هاهنا سؤالا حاصله : كيف يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة ، وقد قال الله [ تعالى ] ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) ؟ ثم كان جوابه عنه : أن غدوه ليبوئهم مقاعد ، إنما كان يوم السبت أول النهار . 

وقوله : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا [ والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] ) قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان قال : قال عمرو : سمعت جابر بن عبد الله يقول : فينا نزلت : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا [ والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] ) قال : نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة ، وما نحب - وقال سفيان مرة : وما يسرني - أنها لم تنزل ، لقول الله تعالى : ( والله وليهما ) . 

ص: 111 ] وكذا رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به . وكذا قال غير واحد من السلف : إنهم بنو حارثة وبنو سلمة 

وقوله : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) أي : يوم بدر ، وكان في جمعة وافق السابع عشر من رمضان ، من سنة اثنتين من الهجرة ، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ، ودمغ فيه الشرك وخرب محله ، [ هذا ] مع قلة عدد المسلمين يومئذ ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فرسان وسبعون بعيرا ، والباقون مشاة ، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه ، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض ، والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد ، فأعز الله رسوله ، وأظهر وحيه وتنزيله ، وبيض وجه النبي وقبيله ، وأخزى الشيطان وجيله ولهذا قال تعالى - ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) أي : قليل عددكم ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله ، لا بكثرة العدد والعدد ، ولهذا قال في الآية الأخرى : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا [ وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ] والله غفور رحيم ) [ التوبة : 25 - 27 ] . 

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سماك قال : سمعت عياضا الأشعري قال : شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء : أبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وابن حسنة ، وخالد بن الوليد ، وعياض - وليس عياض هذا الذي حدث سماكا - قال : وقال عمر ، رضي الله عنه : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة . قال : فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت ، واستمددناه ، فكتب إلينا : إنه قد جاءني كتابكم تستمدونني وإني أدلكم على من هو أعز نصرا ، وأحصن جندا : الله عز وجل ، فاستنصروه ، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم ، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني . قال فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ ، قال : وأصبنا أموالا فتشاورنا ، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة . قال : وقال أبو عبيدة : من يراهنني ؟ فقال شاب : أنا ، إن لم تغضب . قال : فسبقه ، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عري . 

وهذا إسناد صحيح وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بندار ، عن غندر ، ص: 112 ] بنحوه ، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه . 

وبدر محلة بين مكة والمدينة ، تعرف ببئرها ، منسوبة إلى رجل حفرها يقال له : " بدر بن النارين " . قال الشعبي بدر بئر لرجل يسمى بدرا . 

وقوله : ( فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) أي : تقومون بطاعته . 
===============
45

إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ( 124 ) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ( 125 ) وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ( 126 ) ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ( 127 ) ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ( 128 )ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ( 129 ) ) 

اختلف المفسرون في هذا الوعد : هل كان يوم بدر أو يوم أحد ؟ على قولين : 

أحدهما : أن قوله : ( إذ تقول للمؤمنين ) متعلق بقوله : ( ولقد نصركم الله ببدر ) وروي هذا عن الحسن البصري ، وعامر الشعبي ، والربيع بن أنس ، وغيرهم . واختاره ابن جرير 

قال عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة ) قال : هذا يوم بدر . رواهابن أبي حاتم ، ثم قال : 

حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب عن داود ، عن عامر - يعني الشعبي - أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين ، فشق ذلك عليهم ، فأنزل الله : ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ) إلى قوله : ( مسومين ) قال : فبلغت كرزا الهزيمة ، فلم يمد المشركين ولم يمد الله المسلمين بالخمسة . 

وقال الربيع بن أنس : أمد الله المسلمين بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف . 

فإن قيل : فما الجمع بين هذه الآية - على هذا القول - وبين قوله تعالى في قصة بدر : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [ وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله ] إن الله عزيز حكيم ) [ الأنفال : 9 ، 10 ] فالجواب : أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها ، لقوله : ( مردفين ) بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم . وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران . فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر ، والله أعلم ، قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : أمد الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف . 

ص: 113 ] القول الثاني : أن هذا الوعد متعلق بقوله : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) وذلك يوم أحد . وهو قول مجاهد ،وعكرمة ، والضحاك ، والزهري ، وموسى بن عقبة وغيرهم . لكن قالوا : لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف ، لأن المسلمين فروا يومئذ - زادعكرمة : ولا بالثلاثة الآلاف ، لقوله : ( بلى إن تصبروا وتتقوا ) فلم يصبروا ، بل فروا ، فلم يمدوا بملك واحد . 

وقوله : ( بلى إن تصبروا وتتقوا ) يعني : تصبروا على مصابرة عدوكم وتتقوني وتطيعوا أمري . 

وقوله : ( ويأتوكم من فورهم هذا ) قال الحسن ، وقتادة ، والربيع ، والسدي : أي من وجههم هذا . وقال مجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح : أي من غضبهم هذا . وقال الضحاك : من غضبهم ووجههم . وقال العوفي عن ابن عباس : من سفرهم هذا . ويقال : من غضبهم هذا . 

وقوله : ( يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) أي : معلمين بالسيما . 

وقال أبو إسحاق السبيعي ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض ، وكان سيماهم أيضا في نواصي خيلهم . 

رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة في هذه الآية : ( مسومين ) قال : بالعهن الأحمر . 

وقال مجاهد : ( مسومين ) أي : محذقة أعرافها ، معلمة نواصيها بالصوف الأبيض في أذناب الخيل . 

وقال العوفي ، عن ابن عباس ، قال : أتت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم مسومين بالصوف ، فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف . 

وقال عكرمة وقتادة مسومين ) أي : بسيما القتال ، وقال مكحول : ( مسومين ) بالعمائم . 

وروى ابن مردويه ، من حديث عبد القدوس بن حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( مسومين ) قال : " معلمين . وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سودا ، ويوم حنين عمائم حمرا " 

وروي من حديث حصين بن مخارق ، عن سعيد ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر . 

وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها في ظهورهم ، ويوم حنين عمائم حمرا . ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون . 

ثم رواه عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن مقسم عن ابن عباس ، فذكر نحوه . 

ص: 114 ] وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الأحمسي حدثنا وكيع ، حدثنا هشام بن عروة ، عن يحيى بن عباد : أن الزبير [ بن العوام ] رضي الله عنه ، كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجرا بها ، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر . 

رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، فذكره . 

وقوله : ( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ) أي : وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالها إلا بشارة لكم وتطييبا لقلوبكم وتطمينا ، وإلا فإنما النصر من عند الله ، الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم ، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم ، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال : ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم . سيهديهم ويصلح بالهم . ويدخلهم الجنة عرفها لهم . ) [ محمد : 4 - 6 ] . ولهذا قال هاهنا : ( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) أي : هو ذو العزة التي لا ترام ، والحكمة في قدره والإحكام . 

ثم قال تعالى : ( ليقطع طرفا من الذين كفروا ) أي : أمركم بالجهاد والجلاد ، لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير ، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين . فقال : ( ليقطع طرفا ) أي : ليهلك أمة ( من الذين كفروا أو يكبتهم ) أي : يخزيهم ويردهم بغيظهم لما لم ينالوا منكم ما أرادوا ، ولهذا قال : ( أو يكبتهم فينقلبوا ) أي : يرجعوا ( خائبين ) أي : لم يحصلوا على ما أملوا . 

ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والآخرة له وحده لا شريك له ، فقال : ( ليس لك من الأمر شيء ) أي : بل الأمر كله إلي ، كما قال : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] وقال ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] . وقال ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) [ القصص : 56 ] . 

قال محمد بن إسحاق في قوله : ( ليس لك من الأمر شيء أي : ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم . 

ثم ذكر تعالى بقية الأقسام فقال : ( أو يتوب عليهم ) أي : مما هم فيه من الكفر ويهديهم بعد الضلالة ( أو يعذبهم ) أي : في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم ، ولهذا قال : ( فإنهم ظالمون ) أي : يستحقون ذلك . 

وقال البخاري : حدثنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، حدثني سالم ، عن أبيه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر ص: 115 ] اللهم العن فلانا وفلانا " بعد ما يقول : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " فأنزل الله تعالى ( ليس لك من الأمر شيء [ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ] 

وهكذا رواه النسائي ، من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق ، كلاهما ، عن معمر ، به . 

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا أبو عقيل - قال أحمد : وهو عبد الله بن عقيل ، صالح الحديث ثقة - قال : حدثنا عمر بن حمزة ، عنسالم ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم العن فلانا ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو ، اللهم العن صفوان بن أمية " . فنزلت هذه الآية : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فتيب عليهم كلهم . 

وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية الغلابي ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة قال : فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء [ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ] قال : وهداهم الله للإسلام .

وقال محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم ، حتى أنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء ) الآية . 

وقال البخاري أيضا : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ،عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد - أو يدعو لأحد - قنت بعد الركوع ، وربما قال - إذا قال : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد - : " اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " . يجهر بذلك ، وكان يقول - في بعض صلاته في صلاة الفجر - : " اللهم العن فلانا وفلانا " لأحياء من أحياء العرب ، حتى أنزل الله ( ليس لك من الأمر شيء الآية . 

وقال البخاري : قال حميد وثابت ، عن أنس بن مالك : شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فقال : " كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟ " . فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء وقد أسند هذا الحديث الذي علقه البخاري رحمه الله . 

وقال البخاري في غزوة أحد : حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي ، حدثنا عبد الله - أخبرنا معمر ، ص: 116 ] عن الزهري ، حدثني سالم بن عبد الله ، عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - إذا رفع رأسه من الركوع ، في الركعة الأخيرة من الفجر - : " اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا " بعد ما يقول : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " . فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء ) [ إلى قوله : ( فإنهم ظالمون ) ] . 

وعن حنظلة بن أبي سفيان قال : سمعت سالم بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ، فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء [ أو يتوب عليهم أو يعذبهم ] فإنهم ظالمون ) . 

هكذا ذكر هذه الزيادة البخاري معلقة مرسلة - مسندة متصلة في مسند أحمد ، متصلة آنفا . 

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا حميد ، عن أنس ، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه ، فقال : " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم ، عز وجل " . فأنزل الله تعالى : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون 

انفرد به مسلم ، فرواه [ عن ] القعنبي ، عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، فذكره . 

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا الحسين بن واقد ، عن مطر ، عن قتادة قال : أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته ، وفرق حاجبه ، فوقع وعليه درعان والدم يسيل ، فمر به سالم مولى أبي حذيفة ، فأجلسه ومسح عن وجهه ، فأفاق وهو يقول : " كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم ، وهو يدعوهم إلى الله ؟ " فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء [ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ] 

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه ، ولم يقل : فأفاق . 

ثم قال تعالى : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) أي : الجميع ملك له ، وأهلهما عبيد بين يديه ( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) أي : هو المتصرف فلا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، والله غفور رحيم 

ص: 117 ]
===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق